سورة الليل - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الليل)


        


قوله تعالى: {والليل إذا يغشى} قال ابن عباس: يغشى بظلمته النهار. وقال الزجاج: يغشى الأفق، ويغشى جميع ما بين السماء والأرض، {والنهار إذا تجلى} أي: بان وظهر من بين الظلمة، {وما خلق الذكر والأنثى} في {ما} قولان. وقد ذكرناهما عند قوله تعالى: {وما بناها} [الشمس: 5] وفي {الذكر والأنثى} قولان:
أحدهما: آدم وحواء، قاله ابن السائب، ومقاتل.
والثاني: أنه عام، ذكره الماوردي. قوله تعالى: {إن سعيكم لشتى} هذا جواب القسم. قال ابن عباس: إن أعمالكم لمختلفة، عمل للجنة، وعمل للنار. وقال الزجاج: سعي المؤمن والكافر مختلف، بينهما بُعْدٌ.
وفي سبب نزول هذه السورة قولان:
أحدهما: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه اشترى بلالاً من أُمَيَّة وأُبَيٍّ ابنَي خلف بِبُرْدةٍ وعشرة أواق، فأعتقه، فأنزل الله عز وجل {والليل} إلى قوله تعالى: {إن سعيكم لشتى} يعني: سعي أبي بكر، وأُميَّة وأُبَيٍّ، قاله عبد الله بن مسعود.
والثاني: أن رجلاً كانت له نخلةٌ فرعُها في دار رجلٍ فقيرٍ ذي عيال، وكان الرجل إذا صَعِدَ النخلة ليأخذ منها الثمر، فربما سقطت الثمرة، فيأخذها صبيان الفقير فينزل الرجل من نخلته حتى يأخذ الثمرة من أيديهم، فإن وجدها في فم أحدهم أدخل أصبعه حتى يخرجها، فشكا ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقي النبيُّ صلى الله عليه وسلم صاحبَ النخلة، فقال: «تعطني نخلتك التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة؟» فقال الرجل: إن لي نخلاً وما فيه نخلة أعجب إليَّ منها، ثم ذهب الرجل، فقال رجل: ممن سمع ذلك الكلام: يا رسول الله، أتعطيني نخلة في الجنة إن أنا أخذتها؟ قال: نعم، فذهب الرجل، فلقي صاحب النخلة، فساومها منه، فقال له: أَمَا شَعَرْتَ أن محمداً أعطاني بها نخلة في الجنة؟ فقلتُ: ما لي نخلة أعجب إليَّ منها، فقال له: أتريد بيعها؟ قال: لا، إلا أن أُعطى بها مالا أظنني أعطى، قال: ما مناك؟ قال: أربعون نخلة، فقال: أنا أُعطيك أربعين نخلة، فأشهد له ناساً، ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن النخلة قد صارت في ملكي، وهي لك، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحب الدار، فقال: النخلة لك ولعيالك، فأنزل الله عز وجل {والليل إذا يغشى} إلى قوله تعالى {إن سعيكم لشتى} رواه عكرمة عن ابن عباس. وقال عطاء: الذي اشتراها من الرجل أبو الدحداح، أخذها بحائط له، فأنزل الله تعالى هذه الآيات إلى قوله تعالى: {إن سعيكم لشتى} أبو الدحداح، وصاحب النخلة.
قوله تعالى: {فأما من أعطى واتقى} قال ابن مسعود: يعني: أبا بكر الصديق، هذا قول الجمهور.
وقال عطاء: هو أبو الدحداح.
وفي المراد بهذا العطاء ثلاثة أقوال.
أحدها: أعطى من فضل ماله، قاله ابن عباس.
والثاني: أعطى الله الصدق من قبله، قاله الحسن.
والثالث: أعطى حق الله عليه، قاله قتادة.
وفي قوله تعالى {واتقى} ثلاثة أقوال.
أحدها: اتقى الله، قاله ابن عباس.
والثاني: اتقى البُخْل، قاله مجاهد.
والثالث: اتقى محارم الله التي نهى عنها، قاله قتادة.
وفي {الحسنى} ستة أقوال:
أحدها: أنه لا إله إلا الله، رواه عطية عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
والثاني: الخَلَف، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال الحسن.
والثالث: الجنة، قاله مجاهد.
والرابع: نِعَم الله عليه، قاله عطاء.
والخامس: بوعد الله أن يثيبه، قاله قتادة، ومقاتل.
والسادس: الصلاة، والزكاة، والصوم، قاله زيد بن أسلم.
قوله تعالى: {فسنيسره لليسرى} ضم أبو جعفر سين {اليسرى} وسين {العسرى} وفيه قولان:
أحدهما: للخير، قاله ابن عباس. والمعنى: نُيَسِّر ذلك عليه.
والثاني: للجنة، قاله زيد بن أسلم.
{وأما من بخل} قال ابن مسعود: يعني ذلك أُميَّة وأُبي ابنَيْ خلف. وقال عطاء: هو صاحب النخلة.
قال المفسرون: {وأما من بخل} بالنفقة في الخير والصدقة. وقال قتادة: بحق الله عز وجل {واستغنى} عن ثواب الله فلم يرغب فيه {وكذّب بالحسنى} وقد سبقت الأقوال فيها.
وفي {العسرى} قولان:
أحدهما: النار، قاله ابن مسعود.
والثاني: الشر، قاله ابن عباس. والمعنى: سنهيؤه للشر فيؤدِّيه إلى الأمر العسير، وهو عذاب النار.
ثم ذكر أن ما أمسكه من ماله لا ينفعه، فقال تعالى: {وما يغنى عنه ماله} الذي بخل به عن الخير {إذا تردَّى} وفيه قولان:
أحدهما: إذا تردَّى في جهنم، قاله ابن عباس، وقتادة، والمعنى: إذا سقط فيها.
والثاني: إذا مات فتردَّى في قبره، قاله مجاهد.


قوله تعالى: {إن علينا للْهُدى} قال الزجاج: المعنى: إن علينا أن نبيِّن طريق الهدى من طريق الضلالة {وإنَّ لنا للآخرة والأولى} أي: فليطلبا منا {فأنذرتكم ناراً تلظى} أي: تَوقَّد وتتوهَّج {لا يصلاها إلا الأشقى} يعني: المشرك {الذي كذب} الرسول {وتولى} عن الإيمان. قال أبو عبيدة: {الأشقى} بمعنى الشقيّ. والعرب تضع أَفْعَلَ في موضع فاعل. قال طرفة:
تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ *** فَتِلْكَ سَبِيلٌ لِسْتُ فيها بِأَوْحَدِ
قال الزجاج: وهذه الآية التي من أجلها زعم أهل الإرجاء أنه لا يدخل النار إلا كافر، وليس الأمر كما ظنوا. هذه نار موصوفة بعينها، ولأهل النار منازل. فلو كان كل من لا يشرك لا يعذَّب لم يكن في قوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] فائدة وكان {ويغفر ما دون ذلك} كلاماً لا معنى له.
قوله تعالى: {وسيجنَّبُها} أي: يُبْعَدُ عنها، فيجعل منها على جانب {الأتقى} يعني: أبا بكر الصديق في قول جميع المفسرين {الذي يؤتي ماله يتزكَّى} أي: يطلب أن يكون عنه الله زاكيا، ولا يطلب الرياء، ولا السمعة، {وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تجزى} أي: لم يفعل ذلك مجازاة ليد أُسْدِيَتْ إليه.
وروى عطاء عن ابن عباس أن أبا بكر لما اشترى بلالاً بعد أن كان يعذَّب قال المشركون: ما فعل أبو بكر ذلك إلا ليدٍ كانت لبلال عنده، فأنزل الله تعالى: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى}. أي: إلا طلباً لثواب ربه. قال الفراء: و{إلا} بمعنى لكن ونصب {ابتغاءَ} على إضمار إنفاقه. فالمعنى: وما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه.
قوله تعالى: {ولسوف يرضى} أي: بما يُعطَى في الجنة من الثواب.